إستمرار الوحي الإلهي في الأمة المحمدية ـ الجزء الثاني ـ .

الجماعة الإسلامية الأحمدية : جماعة الدفاع : عن الإسلام عموما ، عن خاتم النبيين صلى الله عليه و سلم ، عن الصحابة الكرام و أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن و أرضاهن ، عن دعوة الإمام المهدي و المسيح الموعود عليه السلام ، عن القرآن الكريم ، عن السنة النبوية الشريفة ، عن الأحاديث النبوية الشريفة ، عن السلف الصالح ، ضد الإلحاد و الأديان الشركية و الفرق الإسلامية المنحرفة .

سلسلة : " " الأحمدية " ؛ هي : " الإسلام الحقيقي " " 28 :

الموضوع :

إستمرار الوحي الإلهي في الأمة المحمدية ـ الجزء الثاني ـ .

      أورد الدكتور محمد أحمد إسماعيل المقدّم في أحد كتبه : " و نقل الحافظ عن ابن السمعاني قوله : " و إنكار الإلهام مردود ، و يجوز أن يفعل الله بعبده ما يكرمه به . و لكن التمييز بين الحق والباطل في ذلك أن كل ما استقام على الشريعة المحمدية ، و لم يكن في الكتاب و السنة ما يردّه ؛ فهو مقبول . و إلاّ فمردود يقع من حديث النفس و وسوسة الشيطان " . ثم قال : " و نحن لا ننكر أن الله يكرم عبده بزيادة نور منه ، و لا نزعم أنه حجة شرعية . و إنما هو نور يختص الله به من يشاء من عباده ، فإن وافق الشرع كان الشرع هو الحجة " " كتاب " المهدي و فقه أشراط الساعة " ص 289 .

      و أورد أيضا : " و قال الإمام المحقق ابن قيم الجوزية رحمه الله : " الإلهام – على ثلاث درجات : الدرجة الأولى : نبأ يقع وحياً قاطعاً مقروناً بسماع . إذ مطلق النبأ الخبر الذي له شأن ، فليس كل خبر نبأ ، و هو نبأ خبر عن غيب معّظّم ، و يريد بالوحي و الإلهام : الإعلام الذي يقع من وصل إليه بموجبه إمّا بواسطة سمع أو هو الإعلام بلا واسطة " . قلت ـ أي ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى ـ : " أما حصوله بواسطة سمع ، فليس ذلك إلهاماً ، بل هو من قبيل الخطاب ، و هذا يستحيل حصوله لغير الأنبياء ، و هو الذي خُصّ به موسى ، إذ كان المخاطب لموسى هو الحق عزّ وجلّ . أما ما يقع لكثير من أرباب الرياضات من سماع ؛ فهو من أحد وجوه ثلاثة لا رابع لها : أعلاها أن يُخاطبه المَلَك خطاباً جزئياً ، فإن هذا يقع لغير الأنبياء ؛ فقد كانت الملائكة تخاطب عمران بن حصين بالسلام ، فلما اكتوى تركت خطابه ، فلما ترك الكي عاد إليه خطابٌ ملكي . و هو نوعان : أحدهما : خطاب يسمعه بأذنه ، و هو نادر بالنسبة إلى عموم المؤمنين . الثاني : خطاب يُلقَى في قلبه يُخاطِب به المَلَك روحه كما في الحديث المشهور : " إن للمَلَك لَمّةٌ بقلب ابن آدم و للشيطان لَمّةُ ، فلَمّةُ الملك : إيعاد بالخير و تصديق بالوعد . و لَمّةُ الشيطان إيعاد بالشر و تكذيب بالوعد " ثم قرأ : " الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَ يَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَ اللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَ فَضْلًا ( 268 ) " سورة البقرة " . و قال تعالى : " إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا ( 12 ) سورة الأنفال " " كتاب " المهدي و فقه أشراط الساعة " ص 289 .

أقول :

      فأما قول ابن القيم رحمه الله تعالى : " أما حصوله بواسطة سمع ، فليس ذلك إلهاماً ، بل هو من قبيل الخطاب ، و هذا يستحيل حصوله لغير الأنبياء ، و هو الذي خُصّ به موسى ، إذ كان المخاطب لموسى هو الحق عزّ وجلّ " لشديد البطلان ، لأنه لا خصوصية لنبي الله تعالى موسى عليه السلام في ذلك ، بل إن الكلام الإلهي مفتوح لكل الجنس البشري ؛ بدليل قوله تعالى : { وَ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ ... } [ سورة الشورى : 51 ] . 

      و أما قوله ـ رحمه الله تعالى ـ : " أما ما يقع لكثير من أرباب الرياضات ... أعلاها أن يخاطبه الملك " ، فهو لا يقل بطلانا عن القول السابق . فالشيخ ابن القيم رحمه الله تعالى يريد القول أن الله تعالى لا يكلم غير الأنبياء عليهم السلام إلا عن طريق الملك ، إلا أن الله تعالى بين أنه يكلم البشر عموما ؛ بدليل قوله تعالى : " وَ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ " [ سورة الشورى : 51 ] . ثم أدخل ـ عز و جل ـ إمكانية وساطة الملك في الوحي إلى عباده ؛ فقال تعالى : " ... أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ " [ سورة الشورى : 51 ] .

      إن كلام الله تعالى مع عباده من غير الأنبياء ثابت ؛ مثل :

أولا : أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه و رضي عنه : لما روي عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ ، أَنَّهَا قَالَتْ : " إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَانَ نَحَلَهَا جَادَّ عِشْرِينَ وَ سْقًا مِنْ مَالِهِ بِالْغَابَةِ ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ ، قَالَ : " وَ اللَّهِ يَا بُنَيَّةُ ، مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ غِنًى بَعْدِي مِنْكِ وَ لَا أَعَزُّ عَلَيَّ فَقْرًا بَعْدِي مِنْكِ ، وَوإِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جَادَّ عِشْرِينَ وَ سْقًا ، فَلَوْ كُنْتِ جَدَدْتِيهِ وَ احْتَزْتِيهِ كَانَ لَكِ ، وَ إِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ وَارِثٍ ، وَ إِنَّمَا هُمَا أَخَوَاكِ وَ أُخْتَاكِ ، فَاقْتَسِمُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ " ، قَالَتْ عَائِشَةُ : فَقُلْتُ : يَا أَبَتِ ، وَ اللَّهِ لَوْ كَانَ كَذَا وَ كَذَا لَتَرَكْتُهُ ، إِنَّمَا هِيَ أَسْمَاءُ ، فَمَنِ الْأُخْرَى ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : " ذُو بَطْنِ بِنْتِ خَارِجَةَ - أُرَاهَا جَارِيَةً " " موطأ مالك | كِتَابٌ : الْأَقْضِيَةُ  | مَا لَا يَجُوزُ مِنَ النَّحْلِ . فأنظر كيف ألهم الله تعالى أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه و رضي عنه بولادة إبنة دون أن يرسل إليه ملكا .

ثانيا : عمر بن الخطاب و سارية رضي الله تعالى عنهما و رضيا عنه ؛ لما روي عن نافع أن عمر بعث سرية فاستعمل عليهم رجلاً يقال له سارية ، فبينما عمر يخطب يوم الجمعة ؛ فقال : " يا سارية الجبل ، يا سارية الجبل " . فوجدوا سارية قد أغار إلى الجبل في تلك الساعة يوم الجمعة و بينهما مسيرة شهر ، و في رواية : " فجعل ينادي يا ساريا الجبل ، يا ساريا الجبل " ثلاثاً . ثم قَدِم رسول الجيش ، فسأله عمر ، فقال : " يا أمير المؤمنين هُزِمنا ، فبينما نحن كذلك إذ سمعنا منادياًَََ :" يا سارية الجبل " ثلاثاً . فأسندنا ظهورنا بالجبل ، فهزمهم الله . فقيل لعمر : إنك كنت تصيح بذلك " . قال ابن كثير رحمه الله تعالى في البداية ( 7 / 131 ) إسناد جيد حسن . فأنظر كيف كشف الله تعالى على عمر بن الخطاب و سارية رضي الله تعالى عنهما و رضيا عنه كيفية الإنتصار على الأعداء دون أن يرسل إليهما ملكا .

و الله تعالى أعلم .

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

............. يتبع بإذن الله تعالى .................